المسافات والحدود الشخصية مقال بقلمي في صحيفة الرائدية

http://www.alraidiah.com/articles/641021/


أثناء تصفحي كتاب المرحلة الملكية للدكتور خالد المنيف لفتني موضوع كُتب بداخله بعنوان " ذكاء المسافات " أثار حفيظتي عند قراءته عندما تذكرت بعض المواقف التي مرت في حياتي وبالتأكيد في مواقف مرت في حياتك أنت أيها القاريء ويكمن سببها في عدم رسم حدود ومسافة شخصية مع الآخرين


إن من مسببات الحوادث المرورية هو عدم ترك مسافة كافية بينك وبين السيارة التي أمامك ! فالإقتراب الشديد يفقد السائق القدرة على سيطرة السيارة ولايعطي فرصة للتصرف في أي موقف طاريء


حتى الآن في فترة جائحة كورونا تنصحنا وزارة الصحة وينصحنا الأطباء بترك مسافة بيننا وبين الأشخاص الآخرين فربما أصابونا بالعدوى والفايروس 


حتى عندما تتأمل البحر عن بُعد وترى أمواجه وروعته وقت الشروق أو الغروب أجمل بكثير من الغوص فيه ! حتى القمر عندما تراه عن بُعد أجمل بمراحل عند رؤية حجارته ومساحاته الخالية عن قُرب ! حتى الشمس جميلة دافئة عن بُعد لكن ما إن تقترب منها سوف تحرقك ! 


كذلك الاقتراب الشديد من المشكلة أو الأشخاص ؛ هذا أمر مُشل للحركة و مُضعف للتفكير ولا يدعنا نقرر قرارات صحيحة ! 


إن أي تدخل يجعلك تشعر بعدم الارتياح هو اختراق لحدودك الشخصية وعليك رفضه ومواجهته إن مفتاح وضع المسافات والحدود الشخصية في العلاقات هو أن تعرف جيدًا ماذا تريد من علاقاتك  ومن ثم وضع الحدود بناءً على ما تريد وأن تكون واضحًا مع نفسك قبل أن تكون واضح مع الآخرين بخصوص هذه الحدود 


بمعنى أن أخبرت صديق لك عن سر يخصك لا تعاتبه على إفشاء السر لصديق آخر بالرغم من الخطأ في إفشاء السر الذي من المفترض أن لايُنشر لكن أيضًا أنت تتحمل الجزء الأكبر من الخطأ لأنك لم تضع حدود مع نفسك و أخبرته عن هذا الأمر السري

 

لنتحدّث بصراحة لن يحترمك أحد أكثر مما تحترم نفسك لذا إن لم تضع بعض الحدود والمسافات الشخصية سيتجاوز كُل من "هب و دب" الحدود في تعامله معك


عدم وضع الحدود والمسافة الصحيحة أشبه بترك باب بيتك غير مقفل والسماح للغرباء أو المتطفلين بالدخول ليثيروا الفوضى 


لذا يعاني اليوم الكثيرون من بعض الأشخاص الذين يتمادون في التطاول على حقوقهم ولكن هذا التطاول والسيطرة لم يأتِ من فراغ بل بسبب ضعف شخصية المتطاول عليه لأنه يسمح للآخرين بالتمادي وتجاوز الحدود الشخصية 


السماح للآخرين بتجاوز الحدود واختراق الخصوصية واستنزاف الوقت قد يتسبب بألم نفسي وإجهاد على المدى البعيد بسبب عدم القدرة على إيقاف الآخرين عند حدهم


لذا من المهم أن يتم التحديد للآخرين أين تنتهي الحدود الشخصية ومن أين تبدأ مساحتهم وذلك من شأنه أن يتيح للشخص تحديد التواصل المقبول معهم


عاتب الآخرين في حال تم تعديهم للحدود والمساحة ولكن بلباقة وأدب بعيداً عن الخلاف والعصبية الزائدة لأن هذا التعدي قد يصدر أحيانًا عن جهل الطرف الآخر أما إذا كان هذا الشخص متعمدًا في تعدي الحدود ويقصد الإهانة فلا بد من الابتعاد عنه ! لأن هؤلاء الأشخاص يتسببون في ضغط نفسي وإستنزاف لا يحتمل !


فمثلًا عندما تخبر زملاء العمل أنه بمقدورهم التواصل معك قبل الساعة التاسعة مساءً وأنك لن تتواصل مع أحدٍ بعد هذا التوقيت فإن أرسل أو إتصل أحد منهم عليك يطالبك بالعمل بعد هذا التوقيت فقل له: "شكراً .. سأقوم بهذا غداً" !

لكن في نفس التوقيت قدر الموضوع وتحل بالمرونة حسب الموقف فمثلًا قد يتعين عليك للضرورة العمل بعد التاسعة مساءً إذا كان الأمر عاجلاً وهاماً ! لذا يجب أن تقدر على إعطاء حكم سديد لأي عارض أو موقف يواجهك


تذكر بأن هدفك ليس أن تحاول تغيير الآخرين أو التحكم فيهم فـ تركيزك الأساسي موجه على كيفية معاملتهم لك ! على سبيل المثال لو أصر صديقك على القدوم بدون أن يتصل أولًا حافظ على حدودك بأن تقول مثلًا " آسف أنك قطعت كل تلك المسافة ولكني مشغول بالعمل على مشروع ما ولا أستطيع رؤيتك الآن ! أتمنى أن تتصل المرة القادمة قبل قدومك" وبتلك الطريقة تقوم بأدب بتقوية حدودك وتجبر الآخرين على احترام وقتك ومساحتك الشخصية


فلترسم حدودك الشخصية بخط أحمر لا يمحى ! إحمى كيانك من الاستغلال و التهميش !

، كن طيبًا مع الطيبين و لا تكن شيئًا مع غيرهم اضغط زر أيقونة المسح لوجودهم في حياتك ! 


وفي نفس الوقت كما ترغب في رسم حدودك الشخصية احترم حدود الآخرين ومسافاتهم و تجنب الفضول و "اللقافة" الزائدة و ذلك حتى لا تعطي لهم الفرصة للتدخل في حياتك و خصوصياتك 


تقول الروائية والكاتبة أحلام مستغانمي : الحبُّ هو ذكاءُ المسافة ، ألّا تقتربَ كثيرًا فتُلغي اللهفةَ ، ولا تبتعِدَ طويلًا فتُنسى . ألّا تضعَ حطبَكَ دفعةً واحدةً في موقِد مَن تُحبُّ ؛ أنْ تُبقيه مشتعلًا بتحريكِكَ الحطبَ، ليس أكثر ، دون أنْ يلمَحَ الآخرُ يدَكَ المحرّكة لمشاعِره ومسار قدره. لا حبَّ يتغذَّى مِن الحرمان وحدَه ، بل بتناوُب الوصْل والبِعاد ، كما في التنفُّس . إنها حركةُ شهيقٍ وزفير ، يحتاج إليهما الحبُّ لتفرغ وتمتلئ مجددًا رئتاه ،كلَوْحٍ رُخاميٍّ يحملُه عمودان إنْ قربْتَهُما كثيرًا اختلَّ التوازن، وإنْ باعدْتَهما كثيرًا هوى اللوحُ . إنه فنُّ المسافة! .


أخيرًا : الحدود والمسافة الشخصية ليست اختيارية بل عليك أن تأسس المساحة الخاصة بك إجباريًا إذا رغبت في أن تكون قادرًا على تخصيص الوقت لما تحب وما تعتبره الأكثر أهمية في حياتك حيث أن الحدود تعطيك الإستقلالية و تحميك من أن تتحكم بك الأمور غير الهامة بل و تحررك من الأحداث الدرامية والقرارات الضعيفة و تساعدك على استعادة السيطرة على حياتك لأنك حالما امتلكت السيطرة فإن بإمكانك توجيه حياتك الخاصة بشكل أكثر فاعلية والوصول إلى النجاح الذي ترغب به

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقال بعنوان / زوجوه يعقل ! في صحيفة الرائدية

تواجه عاصفة وتهدك نسمة !

مقال بقلمي بعنوان /ولاية القوامون على النساء في صحيفة عيون المدينة