مقال بعنوان / عنسنا والقطار فاتنا .. في صحيفة الرائدية

http://www.alraidiah.com/articles/617575/بداية العنوسة لفظ يقتصره محدودي العقل على النساء فقط من دون الرجال ولكن الصحيح أنه يطلق على الجنسين ففي باب اللغة يقال: عنست المرأة إذا كبرت في بيت أبويها ولم تتزوج فهي عانس والرجل إذا أسنّ ولم يتزوج فهو أيضًا عانس ! إذًا اللفظ للرجال والنساء على حد سواء !! وعلى كل حال أنا شخصيًا أفضل إستبدال لفظ ''العنوسة'' سواء للرجال أو النساء بـ ''تأخر الزواج''

أمانة لا أعلم لماذا لا يكف بعض محدودي العقل عن إشهار هذه كلمة "عانس" كـ السيف على رقاب النساء كلما حاولن التنفيس والتعبير عن حقهن في اختيار شريك حياتهن الذي كفله لهن الله سبحانه وتعالى

كلمات كثيرة تراود الفتيات في مجتمعي ومن أبرزها احذري أن يفوتك القطار !
التحذيرات تتوالى على الفتاة من قبل فلان وعلان وفلانة وعلانة بألا تتهاون فالعمر قصير والقطار لن يعود ! عبارات تحذيرية كثيرة تخوّف الفتاة من تأخر الزواج أكثر من خوفها من الموت أو المرض

المفارقة المُضحكة بأن من تنصح هذه المسكينة أن القطار يفوتها عادةً هي أصلًا متضررة من ركوبها القطار وقد تكون مُعنفة أو تعاني أو تعيش في أزمة نفسية بسبب هذا القطار !

مسكينة هي الأنثى في مجتمعي حتى وإن أنجزت ونجحت وتألقت فما زالت في نظر محدودي العقل أنها مسكينة فهي لم تتزوج ! وتتردد عبارة على ألسنتهم في كل مناسبة يرونها بها " متى نفرح فيك؟" أو أول دعوة التي تعتبر كهدية " الله يرزقك بالزوج" وكأن الرزق مقتصر فقط بالزواج وتناسوا الصحة وحسن الخاتمة والنجاح ! ألا يوجد خير سوى بالزواج ! بل ويتعاملون معها وكأن قرارها بيدها أو أن الزوج مجرد طلبية فستان تفصله متى أرادت وتصمم شكله حسب ماتريد أو كـ طلب وجبة من مطعم تختار الصنف متى ما أرادت وتناسوا قضاء الله وقدره والقسمة والنصيب !

بل ربما هذه المسكينة تقدم لها البعض ولكن ببساطة .. الله أخر لها نصيبها لخير هي لا تعلمه ولا أنت تعلمه .. القضية برمتها قسمة ونصيب وليس قطار يفوت أو قطار يجيء !

إن الله أرحم من أن يمنع الفرح عن إنسان لأنه لم يدرس أو لم يتزوج أو لم يتوظف أو حتى لم ينجب فالله موزع الأرزاق وسعادتك ستصلك كاملة مكمّلة غير منقوصة

لا بأس دعي قطار الزواج يفوتك ولكن أحذري أن تكوني عدد زائد يُقذف خارج القطار بتهمة حمولة زائدة ! ولا تقبلي بأن تكوني داخل قطار يمشي على سكة صدئة تكاد تـ تفتت من الوهن والضعف أو أن ترضي بسائق قطار فقير الفكر و عجوز الروح !

مسكينة هي الأنثى فـ خوفها من فوات هذا القطار قد يدفعها إلى الهروب من هذه الكوابيس بالزواج المبكر غير المدروس أو بالقبول بزواج غير متكافئ أو ربما تتزوج إرضاء لأسرتها لتجنبهم التبعات النفسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن تأخر زواجها ! وفي الواقع تحل مشكلتها وتهرب من هذا الكابوس وتغرق في مشكلات أكبر فـ تشعر بالتعاسة وتدني تقدير الذات واليأس والسلبية وقد تصل لفشل هذه الصفقة الخاسرة كنتيجة حتمية لزواج غير متكافئ لم يُبنى على معايير واضحة وإرادة مطلقة من قبل الفتاة

حزينة هي الأنثى في مجتمعي فلا يقلقها سوى فرحكم ولو كان على حساب راحتها واختيارها ! الكثيرات تزوجوا فقط خوفًا من هذا القطار .. توافق الأنثى وليس لها الحق في أن ترفض لمجرد أنها تجاوزت الثلاثين ! غريب هو مجتمعي أنه حدد الزواج بعمر معين للنساء و تدخل المسكينة في دائرة العنوسة إذا ما تجاوزت هذا العمر وأحيانًا تعتبر الفتاة عانسًا وهي لم تتعدى العشرين من عمرها حسب أهواء المجتمع

أنا أعلم أن الزواج وحصول الأنثى على شريك حياة من الأمور العاطفية الفطرية وأنا مع تقديم التنازلات ! ولكن هناك تنازلات معقولة وهناك تضحيات تقتل ! هل يعقل أن تضحي وتقتل نفسها لأجل هذا القطار ؟!

أعتقد بأن عمر الفتاة عندما يتقدم تكون أكثر عقلانية وقرارتها تصبح أكثر إدراك ووعي وليس عليها أن تضحي على حساب نفسها ومُستقبلها لأجل "مجتمع يقتات بالأحاديث التي لا تقدم ولا تؤخر" هذه الأحاديث البائسه سُمها أخطر من سمّ الأفعى بـ وكرها فـ عبارات مجتمعي لا تقتصر على الفتيات بل الشباب لهم النصيب أيضًا فالشاب يغزو الشيب شعره وهو يجمع راتبه وهم يتوالون بسياط أحاديثهم عليه لومًا وتحقيرًا وتقليلًا وتكسيرًا بالهمم ! ولكن حزني على الأنثى أعمق لأن ضرب سياط أحاديثهم للنساء مختلف في مجتمعي ! لا تتعجبوا لذلك فـ جلدها الرقيق سيتمزق من هذا الضرب المُبرح بالأحاديث والتلميحات

محدودي الفكر يرون تأخر زواج المرأة انتقاصًا لقيمتها وتقييدًا لأدوارها في الحياة ! نعم الزواج جانبًا مهم من جوانب الحياة ولكن هناك أدوار متعددة في الحياة في جميع المجالات الحقوقية والسياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية ولا يقود عدم زواجها إلى الانتقاص من أهمية أدوارها في الحياة! إن المرأة مكتملة بذاتها لا يزيدها الزواج تشريفًا أو ينتقص منها شيئًا

مسكينة الأنثى في مجتمعي تُطلق عليها نظرات إتهام أو نظرات شفقة وفى الحالتين تكون هذه النظرات كالسهام الموجهة لقلبها ! هناك العديد من الأمور لا يد للأنسان فيها مثل أمر الزواج والارتباط لذا لا تُحملوا نفس فوق طاقتها ولا تلوموها على شيئًا قد قدره الله سبحانه وتعالى
أخيرًا يا من تقلقين بشأن هذا القطار
الزواج ليس نهاية العالم لابد أن تعرفي بأن الحياة لا تتوقف على هدف واحد لم يستطع الإنسان تحقيقه لا بد أن تمارسي حياتك بشكل عادى وطبيعي ولا تركزي على ما فقدتيه فالانتظار أمرٌ قاتل وهناك حقيقة معروفة وهى أن الإنسان لا يحصل على ما يريد إلا إذا أبعده عن تفكيره ففي هذه الحالة يجد الإنسان ضالته المنشودة

انتصري وانتظري فربما تركبين الطائرة وتسبقين هذا القطار ولربما تركبين قطارًا أفضل و أجمل ولا تستبقي الأحداث ولا تتهمي نفسك بما يقلل منها ويعيبها ! لا تكوني عدوة نفسك بل قدري نفسك وقدسيها كوني في أول قائمة أولوياتك وليس في آخر القائمة واعلمي أنّ الله يرزق من يشاء وقتما يشاء فهو بحال عباده أعلم وأخبر



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقال بعنوان / زوجوه يعقل ! في صحيفة الرائدية

تواجه عاصفة وتهدك نسمة !

مقال بقلمي بعنوان /ولاية القوامون على النساء في صحيفة عيون المدينة